السكون المفقود

الضوء و مبدأ النسبية الكلاسيكى :
الضوء يتمرد على مبدأ نسبية الحركة الكلاسيكى
في ميكانيكا نيوتن، كنا نظن أن الضوء يجب أن يتبع مبدأ نسبية الحركة: إذا تحركتَ بسرعة نحو مصدر الضوء أو بعيدًا عنه، فسرعته بالنسبة لك ستتغير كما يحدث مع كرة تُقذف في الهواء. لكن المدهش أن الضوء يرفض هذا المنطق تمامًا! تجربة ميكلسون–مورلي عام 1887 أظهرت أن سرعة الضوء ثابتة، لا تتغير مهما كانت سرعة المراقب أو المصدر. هذا السلوك الصادم جعل من الواضح أن افتراضات نيوتن لم تعد كافية. هنا جاء أينشتاين ليبني النسبية الخاصة: القوانين الأساسية للطبيعة تفرض أن سرعة الضوء هي نفسها للجميع، والشيء الذي يتغير ليس سرعة الضوء بل مفاهيمنا عن الزمن والمكان نفسيهما. ما بدا "مستحيلاً" وفق التفكير الكلاسيكي صار الأساس لعالم فيزيائي جديد .يقوم على أسس جديدة ملخصها أن سىعة الضوء ثابتة و هى سرعة كونية عظمى لا يمكن لأى جسم أو موجة تجاوزها و الزمن و المكان نسبيان . و الفراغ ربعى الأبعاد للمكان ثلاثة و الزمن يمثل البعد الرابع.فلم يعد الزمن كما كان فى ميكانيكا نيوتن يمثل خشبة المسرح الثابنة التى تجرى عليها الأحداث بل صار أحد اللاعبين الأساسين فى صناعة الأحداث.و اتضح من خلال مبدأ ثبات سرعة الضوء أن مفهوم الأثير هو إفتراض زائد لا داعى له و لا سيما لم يستدل تجريبيا على وجوده و حذفه لن يؤثر فى الحسابات القائمة على النظرية النسبية.
ماهية الضوء
يسألونك عن الضوء هل هو موجة أم جسيم ؟
قل هو أحيانا موجة ولكن ليس بالضبط فهو أحياناً جسيم و لكن ليس بالضبط فهوإن شئت الدقة ذو طبيعة مزدوجة و عدم التحديد سيد الموقف ..... لكن كيف وصلت الأمور لتلك الحالة
أولاً : نظرية نيوتن
عندما نتأمل في أفكار إسحاق نيوتن حول الضوء، نجد أنه نظر إليه كما لو كان فيضاً من الجسيمات الدقيقة، تتحرك في خطوط مستقيمة وتفسر بوضوح الظواهر الأساسية مثل انعكاس الضوء وانكساره. تخيّل شعاعاً من هذه الجسيمات يرتد عن سطح أملس كالمرآة، أو ينحني عند مروره من الهواء إلى الزجاج، فهكذا فسّر نيوتن ببساطة سلوك الضوء بالاعتماد على القوانين الميكانيكية التي صاغها لحركة الأجسام. هذه الرؤية الجسيمية بدت قوية في زمنه، لأنها ربطت الضوء مباشرة بالمنطق الرياضي للحركة والقوة. ومع ذلك، بقيت هناك ظواهر غامضة، مثل التداخل والحيود، لم يستطع تفسيرها بهذه الصورة الجسيمية وحدها. ومع مرور الوقت، تبيّن أن الضوء أعقد بكثير، إذ يكشف أحياناً عن سلوك يشبه الموجة وأحياناً عن سلوك يشبه الجسيم. لكن يبقى أن رؤية نيوتن كانت خطوة أساسية عظيمة، مهدت الطريق للجدل العلمي الكبير حول طبيعة الضوء، وهو جدل لم ينته إلا بعد قرون مع تطور فيزياء الكم.
ثانياً: نظرية هيجنز
عندما قدم كريستيان هيجنز فكرته عن الضوء، كان يتحدى تصور نيوتن الجسيمي. هيجنز اقترح أن الضوء في جوهره موجة تنتشر في وسط افتراضي سماه "الأثير". تخيل أن كل نقطة على جبهة الموجة تصبح مصدراً لموجات صغيرة ثانوية، تنتشر بدورها وتشكل الجبهة الجديدة، وهذا ما يُعرف بمبدأ هيجنز. بهذه البساطة استطاع أن يفسر الانعكاس والانكسار، بل وأعطى أساساً لتفسير الانحراف والحيود، وهي ظواهر لم تستطع نظرية نيوتن الجسيمية أن توضحها. في زمنه، كانت هذه الفكرة ثورية لأنها أكدت أن الضوء يمكن أن يتصرف كالأمواج في الماء أو الصوت في الهواء. ومع أن مفهوم "الأثير" تلاشى لاحقاً، فإن مبدأ هيجنز ظل حجر أساس في فهمنا الموجي للضوء، ومهّد الطريق لتطوير البصريات الموجية على يد علماء مثل يونغ وفريسنل، وصولاً إلى النظرة المزدوجة الحديثة للضوء كجسيم وموجة في آن واحد.
ثالثاً: نظرية الكم
الضوء، حين ننظر إليه من منظور ميكانيكا الكم، يكشف عن طبيعته المزدوجة المدهشة: فهو يتصرف أحياناً كموجة، وأحياناً أخرى كجسيم. في تجربة الشق المزدوج مثلاً، يظهر الضوء نمط تداخل يشبه الأمواج، بينما في التأثير الكهروضوئي يتصرف كجسيمات صغيرة نسميها "فوتونات"، تحمل كميات محددة من الطاقة. هذا ليس تناقضاً، بل إشارة إلى أن ضوء الطبيعة لا ينحصر في صورة واحدة مألوفة. ما نرصده يعتمد على التجربة التي نقوم بها والسؤال الذي نطرحه. الفوتون ليس كرة صغيرة ولا موجة مائية، بل كيان كمومي له سلوك يتجاوز خيالنا اليومي. هذه الفكرة غير البديهية غيّرت جذرياً فهمنا للعالم، وأدت إلى ثورات تقنية مثل الليزر وأشباه الموصلات والاتصالات الضوئية. إن ازدواجية الضوء ليست مجرد لغز فلسفي، بل دليل حي على أن الطبيعة تعمل وفق قوانين أعمق وأكثر غرابة مما تصوره نيوتن أو هيجنز.
و هكذا لعب الضوء الدور المحرك لأهم ثورتين فى الفيزياء و هما النسبية و فيزياء الكم
تعليقات
إرسال تعليق